القرآن الكريم معجزة خالدة

قدمه الكاتب: زين المهتدين

المقدمة
فإن أعظم المعجزة  التي جاء بها الأنبياء هي المعجزة الخالدة التي جاء بها سيد الأولين والآخرين وخاتم رسل الله أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم وهي القرآن الكريم، فكان القرآن الكريم معجزا في فصاحته وبلاغته، ومعجزا في علومه ومعارفه، وفي قصصه وأخباره، وفي أحكامه وتشريعاته، ولذلك فإنه بهر كل من تأمل فيه من العلماء على اختلاف تخصصاتهم. لأنه كلام رب العالمين الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا، قال الله تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ.[1] وقال تعالى: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.[2]
ومن نظر في تاريخ الإسلام وسبر تراجم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم المستشهدين بين يديه، ظهرت له عظمة القرآن في بليغ هدايته كما وقع على يد عمر ابن الخطاب، وكان إسلام عمر فيما حصل علينا أن أخته فاطمة بنت الخطاب وقتئد قد أسلم وقرء القرآن،[3] وكبير أثره، فإنه هو الذي أخرجهم من حضيض الجاهلية إلى أعلى مراتب العلم والكمال، وجعلهم يتفانون في سبيل الدين وإحياء الشريعة، ولا يعبأون بما تركوا من مال وولد وأزواج.
بينما الواقع اليوم، رمي المستشرقون بأن القرآن ناقص، نص غير أصلي وليس معجزة كما اعتقد المسلمون بسبب ما منها مشكلة القراءات المختلفة المتعددة فيه، حيث لم يأمر جبرائيل أو أحد الملائكة محمدا أن يجمع القرآن قبل موته، وجمعه في عهد عثمان بن عفان سنوات بعده، وهذه المشكلة الرئيسية، ولا يمكن الثقة التامة فيه لأنهم –لجنة تدوين القرآن- اعتمدوا على معرفتهم وحكمتهم البشرية المعرضة للخطأ عند جمعه، ولم يرشدهم أي وحي إلهي على الإطلاق، ولا توجد هذه المشكلة بالنسبة للإنجيل لأنه قد كُتب أصلا بالغة اليونانية المتداولة التي كانت قد نضجت وكملت قبل وقت السيد المسيح بأكثر من قرنين من الزمان.
فأراد الباحث في هذه المقالة القليلة القصيرة بيانا تاما وإجابة وافية من هذه المشكلات التي رماها المستشرقون نحو القرآن في موقع الايقاد -http://3lotus.com- عن السؤال: لماذا القرآن ليس معجزة؟،[4] وقد ذكر قوله تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ،[5] وهو محفوظ قبل نزوله إلى يوم المعاد، فها هو البحث.
تساؤلات المستشرقين[6] عن القرأن
كتب المستشرقون في ذلك الموقع عن تساؤلات كثيرة عن القرآن لفساده وانهدامه من درجته العليا، ومن تساؤلاتهم: (1) أن للقرآن لا يوجد نص أصلي بسبب مشكلة القراءات المختلفة المتعددة، (2) بعد موت محمد الفجائي في عام 632 م، كانت هناك اختلافات كثيرة بين المخطوطات، وأجزاء كبيرة من القرآن لم تكن مكتوبة، وجزء من القرآن قد فُقِد نهائيا في معركة اليمامة، (3) قد شهدت عائشة أصغر زوجات محمد، والخليفة الثاني عمر بن الخطاب بأن بعض الآيات القرآنية قد ضاعت، بما في ذلك الآيات المتعلقة برجم الزناة وعن الرضاعة والرجم، (4) قول الشيخ كشك في كتابه "آراء شرعية" (الجزء الأول، ص. 102)،: "كان أهم أربع مفسري القرآن هم: إبن عباس، إبن مسعود، علي ابن أبي طالب، وأبيّ ابن كعب الأنصاري." وعلى الرغم من ذلك، أمر الخليفة عثمان ابن عفان لجنة مكونة من زايد ابن ثابت وغير ذلك أن يجمعوا القرآن وينقحوه بدون استشارة مفسري القرآن ولأنهم كانوا زعماء قبائل وليسوا رجال معرفة.
ثم بعد ذلك، (5) جمع الخليفة عثمان مخطوطة لتوحيد النص القرآني،  إذ رفض كثير من المسلمين مخطوطة عثمان واستعملوا مخطوطاتهم الخاصة، كما قال عبد الله ابن عمر ابن الخطاب: "لا يقولن أحدكم: قد أخذت القرآن كلَّه، وما أدراك ما كله، لقد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل أخذت منه ما ظهر" (جلال الدين السيوطي: الاتقان في علوم القرآن ج 2، ص 26)، (6) ويدعي الشيعة أن عثمان حذف ربع القرآن لأسباب سياسية، وأثبت آرثر جفري ومستشرقون غربيون آخرون أن قرآن عثمان لا يحتوي على كل القرآن، (7) لا توجد هذه المشكلة بالنسبة للإنجيل لأنه قد كُتب أصلا بالغة اليونانية المتداولة التي كانت قد نضجت وكملت قبل وقت السيد المسيح بأكثر من قرنين من الزمان، (8) ويستشهد المستشرقون بأقوال اثنا عشر من علماء مسلمين محافظين يعترفوا بتحريف القرآن، مثل: الكليني والمجليسي في كتابهما مرآة العقول، ومحمد ابن حسن الصيرفي في كتابه تحريف وإبدال، وأحمد ابن محمد في كتابه التحريف، وهذه بعض اتهامهم عن القرآن.

الرد على اتهام المستشرقين عن القرآن
من بعض اتهام المستشرقين عن القرآن في ذلك الموقع، أنه يقول: للقرآن لا يوجد نص أصلي بسبب مشكلة القراءات المختلفة المتعددة، فإنما الواقع القرآن محفوظ في صدور المؤمنين أي الصحابة، وقد كتب القرآن بين يدي رسول الله وبرسم خاص بعد نزوله تماما،[7] وأما مشكلة القراءات المختلفة لادليل في وجودها، وإلا تعددت الكتابات والقرائات إلى اليوم، وأدى ذلك إلى أن يقال في مستقبل الأمر وبعد الاختصار وجد قرآن هندي، وقراَن تركي، أو غير ذلك.[8]
فقال صالح علي العود: كتب القرآن الكريم بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأمر منه وبرسم خاص ثم جاء الخليفة أبو بكر فعثمان -رضي الله عنهما- فاستنسخا ما كان على عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المصاحف وأقرهما على الكتابة على تلك الصورة أكثر من (اثني عشر ألف صحابي) يومها وانتهى بعد ذلك إلى التابعين وتابعي التابعين فلم يخالف أحد منهم هذا الرسم القويم الجليل ولم ينقل عن أحد منهم أنه فكر في استبداله برسم آخر من الرسوم ولو بنفس الحروف التي كتب بها وهي العربية،[9] كطريقة الإملاء الحديثة اليوم.[10]
وقد أذن الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يقرئ أمته القرآن على المختلفة بالحدود والضوابط التي أجملنا بيانها، وأن لمن شاء من أمته أن يقرأ بما شاء من هذه الأوجه، بعد أن يكون قد سمعها تلقيا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبذلك تعلم أن اختلاف القراءة من وجه إلى آخر لم يقع ولا يجوز أن يقع بالتشهي، بأن يغيّر كل قارئ الكلمة إلى مرادفها أو إلى وجه آخر من كيفية النطق بها،[11] وقال الزرقاني على الموطأ- مقصور على السماع منه صلّى الله عليه وسلّم، كما يشير إليه قول كلّ من عمر وهشام، أَقْرَأَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ. ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ.[12]
والذي يوجب الملاحظة للمستشرقين أن هذا الكتاب نص أصلي من الله تعالى، وهو محفوظ، لم يحصل به اختلاف حيث عن دراسة النصوص القرآنية المتعلقة بالعلوم المادية.[13] ويقول الدكتور موريس بوكاي، وهو مستشرق فرنسي، صاحب الكتاب المشهور القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، وكان قد تعلم العربية ليطلع على نص القرآن الكريم مباشرة، بدون الترجمات المغلوطة والحاقدة من كثير من المترجمين، فبناءً على ذلك قال :
"لقد أذهلني دقة بعض التفاصيل الخاصة بهذه الظاهرات - يعني الظواهر الطبيعية- وهي تفاصيل لا يمكن أن تدرك إلا من النص الأصلي، أذهلتني مطابقتها للمفاهيم التي نملكها اليوم عن نفس هذه الظاهرات، والتي لم يكن ممكناً لأي إنسان في عصر محمد صلي الله عليه وسلم أن يكون عنها أدنى فكرة،…ثم قال: إن أول ما يثير الدهشة في روح من يواجه مثل هذا النص لأول مرة، هو ثراء الموضوعات المعالجة، فهناك الخلق وعلم الفلك، وعرض لبعض الموضوعات الخاصة بالأرض، وعالم الحيوان وعالم النبات والتناسل الإنساني. وعلى حين نجد في التوراة أخطاء علمية ضخمة لا نكتشف في القرآن أي خطأ، وقد دفعني ذلك لأتساءل: لو كان كاتب القرآن إنساناً كيف استطاع في القرن السابع من العصر المسيحي أن يكتب ما اتضح أنه يتفق اليوم مع المعارف العلمية الحديثة. ليس هناك أي مجال للشك، فنص القرآن الذي نملك اليوم هو فعلاً النص الأول."[14]
فمعنى ذلك أن النصوص القرآنية المتعلقة ببعض الظواهر الطبعية أو الخلقية ونحوها، لا يمكن معرفة حقيقة المقصود بها إلا بالآلات الحديثة، والتي لم تتوفر إلا في هذه الأزمان المتأخرة، وهذا فيما لم يفسره النبي صلي الله عليه وسلم.[15]
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ جِبْرِيلُ يُعَارِضُ[16] النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ سَنَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ -مَرَّةً، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عَارَضَهُ مَرَّتَيْنِ فَيَرَوْنَ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُنَا هَذِهِ عَلَى الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ.[17]
وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: يُقَالُ إِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ شَهِدَ الْعَرْضَةَ الْأَخِيرَةَ الَّتِي بُيِّنَ فِيهَا مَا نُسِخَ وَمَا بَقِيَ وكتبها لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَأَهَا عَلَيْهِ وَكَانَ يُقْرِئُ النَّاسَ بِهَا حَتَّى مَاتَ وَلِذَلِكَ اعْتَمَدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي جَمْعِهِ وَوَلَّاهُ عُثْمَانُ كَتْبَ الْمَصَاحِفِ.[18]      
وكثير من الصحابة يحفظون ويكتبون القرآن، وأما المخطوطات على يدي ابن مسعود، أبي ابن كعب، علي ابن أبي طالب، أبي بكر، أبي موسى الأشعري، مِقداد ابن الأسود، هي كتابتهم لأنفسهم قد ينقص في بعض وقد يزدد في بعض بناء على مناسبتهم بالرسول صلى الله عليه وسلم، وليسوا أنفسهم حفّاظ وقرّاء وكتّاب للقرآن فإنما أكثر منهم، وأخذ الخليفة عثمان اللجنة في الجمع من كاتب القرآن في عهد الرسول،  وهم زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ومالك بن أبي عامر، وأنس بن مالك وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر، وأبان بن سعيد.[19]
وفي طريقة الجمع له منهج خاص، لقد اتبع زيد ومن معه في جمعه هذا المنهج العلمي السديد في ضبط النصوص وتمحيصها ولا يمكن جزء من القرآن قد فُقِد أو أجزاء كبيرة من القرآن لم تكن مكتوبة، وهذا المنهج :[20]
1. دعي كل من تلقى من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا من القرآن ليعرضه على لجنة ضبط القرآن التي كان يرأسها زيد بن ثابت.
2. كان يقابل المحفوظ عند الصحابة بالمكتوب في الصحف التي عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مما أسس من بعد لعلماء القراءة أن يشترطوا للقراءة المقبولة السماع والمشافهة مع المطابقة للرسم العثماني.
3. والقرآن نفسه قد أشار إلى علاقة المقروء المتلو بالألسن بالمكتوب في الصحف، فمن أسماء القرآن أيضا الكتاب، ومن ثم فلا قيمة لمكتوب من دون تواتر سماعه، ولا لمسموع ما لم يسجل في تلك الصحف الأولى.
4. كما احتاطت اللجنة احتياطا بالغا، فلم تركن إلى المقابلة بين المحفوظ والمكتوب فحسب، بل لم تقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان على أن هذا المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن وفق العرضة الأخيرة.
5. وهذا الاحتياط في الإشهاد كان بإشارة من الصديق حيث قال لعمر ولزيد: اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه.
6.   وبعد الإشهاد والاستيثاق تكتب الآيات والسور على الترتيب والضبط المتلقى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
7. فكتب القرآن في صحف ثم ضمت في مصحف واحد بلغ الكمال المطلق بمطابقته المطلقة للنص المنزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبقي هذا المصحف عند أبي بكر رضي الله
وأما قول المستشرقين أن عائشة أصغر زوجات رسول الله محمد، وعمر بن الخطاب الخليفة الثاني، يشهدا بفقد بعض الآيات القرآنية عن الرضاعة والرجم والآيات المتعلقة برجم الزناة لا دليل فيه. ويقول المستشرقون على لسان الشيخ كشك في كتابه "آراء شرعية" الجزء الأول، ص. 102 :
"كان أهم أربع مفسري القرآن هم: إبن عباس، إبن مسعود، علي ابن أبي طالب، وأبيّ ابن كعب الأنصاري." على الرغم من ذلك، وأمر الخليفة عثمان ابن عفان (644-656م) لجنة مكونة من زيد ابن ثابت وعبد الله ابن زبير وسعيد ابن العاص وعبد الرحمن ابن الحارث أن يجمعوا القرآن وينقحوه بدون استشارة مفسري القرآن المتضلعين فيه والآخرين من صحابة محمد الذين استُبعِدوا من اللجنة. معرفة معظم هؤلاء الرجال الذين اختارهم عثمان مشكوك فيها لأنهم كانوا زعماء قبائل وليسوا رجال معرفة. من المحتمل أن القليل منهم عرفوا القراءة والكتابة."
هذا القول ضل ومضل وهم لم يقرأ كتاب معجم علوم القرآن لإبراهيم محمد الجرمي، فإن زيد ابن ثابت كرئيس اللجنة هو كاتب الوحي مند عهد النبي، وأعضائها من كبار الصحابة، وكانوا زعماء قبائل ورجال معرفة، ولهم منهج خاص في جمعه كما ذكر من السابق،[21] الدعوة لكل من تلقى من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا من القرآن ليعرضه على لجنة ضبط القرآن، وكان يقابل المحفوظ عند الصحابة بالمكتوب في الصحف التي عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكما احتاطت اللجنة احتياطا بالغا، فلم تركن إلى المقابلة بين المحفوظ والمكتوب فحسب بل لم تقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان على أن هذا المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن وفق العرضة الأخيرة، وبعد الإشهاد والاستيثاق تكتب الآيات والسور على الترتيب والضبط المتلقى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. هذه الطريقة قيمة متينة مبينة بلا شك ولا ريب، ليس كما حصل الكتاب المقدس.[22]
ومن الواجب ملاحظة المستشرقين أن جمع الخليفة عثمان للقرآن لتوحيد القراءة وليس لتوحيد النص القرآني، وذلك جمع النص وقع في زمن أبي بكر الصديق،[23] وقال البخاري في الجامع المسند الصحيح: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى عربية من عربية القرآن، فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن أنزل بلسانهم.[24]  وأما قول عبد الله ابن عمر ابن الخطاب: "لا يقولن أحدكم: قد أخذت القرآن كلَّه، وما أدراك ما كله، لقد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل أخذت منه ما ظهر." جلال الدين السيوطي: الاتقان في علوم القرآن ج 2، ص 26.
هذا قول أعداء الإسلام ليسددون إليه سهام المطاعن ويتخذون من علومه مثارا للشبهات يلفقونها زورا وكذبا ويروجونها ظلما وعدوانا. وقد أجب المصنف نفسه عن هذه الشبهة، أن استنتاجهم من هذا كون القرآن الحالي لا يحتوي جميع الآيات التي نطق بها محمد، هذا استنتاج معكوس وفهم منكوس لأن كتابة القرآن وحفظه في آن واحد في صدور آلاف مؤلفة من الخلق أدعى إلى بقاء ذلك القرآن وأدل على أنه لم تفلت منه كلمة ولا حرف، وكيف أحد الأمرين من الكتابة والحفظ كاف في هذه الثقة، فما بالك إذا كان القرآن كله مكتوبا بخطوط أشخاص كثيرين ومحفوظا في صدور جماعات كثيرين[25].
وكذلك قولهم: يختلف في القراءة إن أرادوا به الطعن في تعدد القراءات واختلاف وجوه الأداء أن اختلاف حروف القرآن أمر تقتضيه الحكمة ويوجبه عموم الدعوة الإسلامية. خصوصا لمن شافههم الرسول عليه الصلاة والسلام وهم على اختلاف قبائلهم وتنوع.[26]
وقول ادعاء الشيعة أن عثمان حذف ربع القرآن لأسباب سياسية. حتى أن أثبت آرثر جفري ومستشرقوا غربيين آخرون أن قرآن عثمان لا يحتوي على كل القرآن، فالجواب أن هذا اتهام فارغ، كان علماء الشيعة أنفسهم تبرأ من هذا السخف ولم يطق أن يكون منسوبا إليهم وهو منهم فعزاه إلى بعض من الشيعة جمع بهم التفكير وغاب عنهم الصواب، فأين القرآن الكامل الصواب الصحيح كإدعائهم؟،  وقال الطبرسي[27] في مجمع البيان ما نصه: أما الزيادة فيه أي القرآن فمجمع على بطلانها. وكذلك غلاة الشيعة يقول أن القرآن الذي جاء به جبريل إلى محمد كان سبعة عشر ألف آية،[28] ولكن إلى اليوم لم يأتي الشيعيون هذا القرآن الصواب عندهم بل هم يقرئون ويمسكون كما وجد اليوم.
وإذا استدل واستشهد المستشرقون بتحريف القرآن بأقوال اثنا عشر من علماء مسلمين مثل الكليني والمجليسي ومحمد ابن حسن الصيرفي وأحمد ابن محمد بنسبة إلى طريقة علمية ضعيف وغير معقول، إنما أكثر علماء المسلمين في العالم مند زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم وكان عددهم ألوف مليين بل لا تحصى بكثرتهم الذين يعتقدون بصوابة، ومن المحزن أن الكليني والمجليسي حيث جمهور المسلمين من علماء السوء فلا صح أخذ رأيه. والقرآن يعتبر كتاب أكثر الكتب قراءة وحفظا وطبعة ولن يتغير أبدا، بقوله تعالى "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ".[29]

الاختتام
كان اتهام المستشرقين بأن القرآن ناقص، نص غير أصلي وليس معجزة كما اعتقد المسلمون بسبب ما منها مشكلة القراءات المختلفة المتعددة فيه، حيث أن جمعه في عهد عثمان بن عفان لتوحيد القراءة، وكان زيد ابن ثابت كرئيس اللجنة هو كاتب الوحي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأعضائها من كبار الصحابة، وكانوا زعماء قبائل ورجال معرفة.
ولهم منهج خاص في جمع القرآن، حيث الدعوة لكل من تلقى من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا من القرآن ليعرضه على لجنة ضبط القرآن، وكان يقابل المحفوظ عند الصحابة بالمكتوب في الصحف التي عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكما احتاطت اللجنة احتياطا بالغا، فلم تركن إلى المقابلة بين المحفوظ والمكتوب فحسب بل لم تقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان على أن هذا المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن وفق العرضة الأخيرة، وبعد الإشهاد والاستيثاق تكتب الآيات والسور على الترتيب والضبط المتلقى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. هذه الطريقة قيمة متينة مبينة بلا شك ولا ريب، ليس كما حصل الكتاب المقدس.
وبهذا الحال يتبين واضحا متينا، إنما دور تدوين القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه ذو أهمية قيمة متينة، وذلك اتسعت الفتوحات الإسلامية في زمنه واستبحر العمران وتفرق المسلمون في الأمصار والأقطار ونبتت ناشئة جديدة كانت بحاجة إلى الجمع والتدوين. وإلا وقع قرآن تركي قرآن هندي أو غير ذلك كما حصل الكتاب المقدس أو الإنجيل. والقرآن يعتبر كتاب أكثر الكتب قراءة وحفظا وطبعة ولن يتغير أبدا، كما قوله تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. وهو محفوظ قبل نزوله إلى يوم القيامة.

مصادر البحث
أبياط، صالح علي العود وتقديم محمد بن عبد الوهاب، تحريم كتابة القرآن الكريم بحروف غير عربية، الطبعة الأولى، (المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، 1416).
البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله، الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، المحقق محمد زهير بن ناصر الناصر، الطبعة الأولى، رقم 4984، (دون مدينة: دار طوق النجاة، 1422هـ).
البوطي، محّمد سَعيد رَمضان، من روائع القرآن: تأملات علمية وأدبية في كتاب الله عز وجل، (بيروت: موسسة الرسالة،1420 هـ - 1999 م).
بوكاى، موريس، القرآن والتوراة والإنجيل والعلم: دراسة الكتب المقدسة في ضوء العارف الحديثة، الطبعة الثانية، (القاهرة: مكتبة مدبولى، 2004).
الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، سنن الترمذي، تحقيق وتعليق أحمد محمد شاكر (جـ 1، 2) ومحمد فؤاد عبد الباقي (جـ 3)، وإبراهيم عطوة عوض المدرس في الأزهر الشريف (جـ 4، 5)، الطبعة الثانية، رقم 2943، (مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1395 هـ - 1975 م).
الجربوع، عبد الله بن عبد الرحمن، الأمثال القرآنية القياسية المضروبة للإيمان بالله، الطبعة الأولى، (المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، 1424ه-2003م).
الجرمي، إبراهيم محمد، معجم علوم القرآن، الطبعة الأولى، (دمشق: دار القلم، 1422 هـ - 2001 م).
الجوزجاني، أبو عثمان سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني، التفسير من سنن سعيد بن منصور، دراسة وتحقيق د سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد، الطبعة الأولى، (دون مدينة: دار الصميعي للنشر والتوزيع،1417 هـ - 1997 م).
الخلف، سعود بن عبد العزيز، دحض دعوى المستشرقين أن القرأن من عند النبي صلى الله علية وسلم، (دون مدينة: غراس للنشر والتوزيع، دون سنة).
زرزور، عدنان محمد، مدخل إلى تفسير القرآن وعلومه، الطبعة الثانية، (بيروت: دار الشاميه، 1419 هـ - 1998 م).
الزُّرْقاني، محمد عبد العظيم، مناهل العرفان في علوم القرآن، الطبعة الثالثة، (دون مدينة: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، دون سنة.(
السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين، الإتقان في علوم القرآن، المحقق محمد أبو الفضل إبراهيم، (مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1974 م).
القحطاني، سعيد بن علي بن وهب، فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري، الطبعة الأولى،(دون مدينة: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، 1421).
النبهان، محمد فاروق، المدخل إلى علوم القرآن الكريم، الطبعة الأولى، (حلب: دار عالم القرآن،1426 هـ - 2005 م).




[1] سورة فصلت: 53
[2]  سورة النمل: 93
[3] سعيد بن علي بن وهب القحطاني، فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري، الطبعة الأولى،(دون مدينة: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، 1421)، ج 3، ص 466.
[4] هذا السؤال مكتوب على الشبكة انترانيت في موقع الإيقاد وفي الاحتياج على جوابها تمام الإجابة.                                      
[5]  سورة الحجر : 9                                          
[6] كتب الباحث في هذا البحث مصطلح "المستشرقون"، فإن المراد من ذلك هو الهاجم أو المتهم الذي كتب على ذلك الموقع، وذلك المتهم للقرآن لايدعي أي شخص أو فرقة أوحركة أو دين، ومن المعروف أنه يمثل كثيرا على المسيح والكتاب المقدس.
[7]  محمد فاروق النبهان، المدخل إلى علوم القرآن الكريم، الطبعة الأولى، (حلب: دار عالم القرآن،1426 هـ - 2005 م)، ص 155.
[8]  صالح علي العود وتقديم محمد بن عبد الوهاب أبياط، تحريم كتابة القرآن الكريم بحروف غير عربية، الطبعة الأولى، (المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، 1416)، ج 1، ص 13.
[9]  نفس المرجع
[10] خذ مثلا كلمة ( الصلوة ) هكذا تكتب في المصحف أما طريقة الإملاء الحديثة اليوم التي نقرأ بها في الكتب وفي المدارس فإنها تكتب هكذا (الصلاة) وفي المصحف ( السموات ) والإملاء ( السماوات ) ... إلخ .
[11]  محّمد سَعيد رَمضان البوطي، من روائع القرآن: تأملات علمية وأدبية في كتاب الله عز وجل، (بيروت: موسسة الرسالة،1420 هـ - 1999 م)، ج 1، ص 60.
[12] أبو عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك الترمذي، سنن الترمذي، تحقيق وتعليق أحمد محمد شاكر (جـ 1، 2) ومحمد فؤاد عبد الباقي (جـ 3)، وإبراهيم عطوة عوض المدرس في الأزهر الشريف (جـ 4، 5)، الطبعة الثانية، رقم 2943، (مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1395 هـ - 1975 م)، ج 5، ص 193.
[13]  عبد الله بن عبد الرحمن الجربوع، الأمثال القرآنية القياسية المضروبة للإيمان بالله، الطبعة الأولى، (المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، 1424ه-2003م)، ج 2، ص 742.
[14]  موريس بوكاى، القرآن والتوراة والإنجيل والعلم: دراسة الكتب المقدسة في ضوء العارف الحديثة، الطبعة الثانية، (القاهرة: مكتبة مدبولى، 2004)، ص 145.
[15]  سعود بن عبد العزيز الخلف، دحض دعوى المستشرقين أن القرأن من عند النبي صلى الله علية وسلم، (دون مدينة: غراس للنشر والتوزيع، دون سنة)، ص 170.
[16]  أي كان يدارسه جميع ما نزل من القرآن، من المعارضة، وهي المقابلة، ومنه عارضت الكتاب بالكتاب، أي قابلته به.
[17]  أبو عثمان سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني الجوزجاني، التفسير من سنن سعيد بن منصور، دراسة وتحقيق د سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد، الطبعة الأولى، (دون مدينة: دار الصميعي للنشر والتوزيع،1417 هـ - 1997 م)، ج 1، ص 239.
[18]  عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، المحقق محمد أبو الفضل إبراهيم، (مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1394هـ- 1974 م)، ج 4، ص 177.
[19]  إبراهيم محمد الجرمي، معجم علوم القرآن، الطبعة الأولى، (دمشق: دار القلم، 1422 هـ - 2001 م)، ص 116.
[20]  نفس المرجع، ص 114.
[21]  نفس المرجع
[22]  نفس المرجع
[23] عدنان محمد زرزور، مدخل إلى تفسير القرآن وعلومه، الطبعة الثانية، (بيروت: دار الشاميه، 1419 هـ - 1998 م)، ص 105.
[24]  محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، المحقق محمد زهير بن ناصر الناصر، الطبعة الأولى، رقم 4984، (دون مدينة: دار طوق النجاة، 1422هـ)، ج 6، ص 182.
[25]  محمد عبد العظيم الزُّرْقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، الطبعة الثالثة، (دون مدينة: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، دون سنة)، ج 1، ص 287.
[26]  نفس المرجع
[27]  الطبرسي من رؤساء الشيعة، وكتابه مجمع البيان هو المرجع عندهم. انظر محمد عبد العظيم الزُّرْقاني، مناهل العرفان.....ج 1، ص 281.
[28] مع العلم بأن عدد آيات القرآن ستة آلاف آية ومئتا آية وكسور كما يأتي. محمد عبد العظيم الزُّرْقاني، مناهل العرفان....ج 1، ص 280.
[29] سورة الحجر: 9

Share on Google Plus

About Zaenal Muhtadin

Adalah Sebuah keputusan This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment