تاريخ تدوين القرآن الكريم العثماني

قدمه الكاتب : زين المهتدين


المقدمة
حمدا لله رب العالمين، صلاة وسلاما لرسوله خاتم النبيين، أما بعد. كان مصطلح تدوين القرآن جزء لايتجازء من جمع القرآن. كلمة الـ تَدْوِيْن مصدر من دَوَّنَ بمعنى جمع وكتب،[1] و تَدْوِيْن القرآن بمعنى كتابته.[2] فإني أقدم هذه نبذة مختصرة خاصة عن تاريخ تدوينه أي الكتابة في عهد الخليفة عثمان بن عفان.
وكان مبدء تدوين القرآن مند نزوله بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم كتّاب الوحي،[3] ونهاهم أن يكتبوا شيئا غيره حتى السنة قال : لَا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غير الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ.[4] وكانت عناية الصحابة بكتابة القرآن الكريم مرتب الآيات، وهذا بتوقيف من الرسول صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث السابق، وهذا الترتيب لم يكن حسب نزول الآيات. وسبب كتابته في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هو الزيادة في حفظه وعناية المسلمين به مع أن الله تعالى تكفل بحفظه من التبديل، لأن القرآن معجز بنظمه.[5]
الكتّاب للوحي في عهده صلى الله عليه وسلم: هم الخلفاء الأربعة ومعاوية بن أبي سفيان وأبيّ بن كعب و زيد بن ثابت وغيرهم.[6] ومن هنا نعرف أن كتابة القرآن كله من فاتحة الكتاب إلى سورة الناس في  عهده صلى الله عليه وسلم.

تدوين القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه 
اتسعت الفتوحات في زمن عثمان واستبحر العمران وتفرق المسلمون في الأمصار والأقطار ونبتت ناشئة جديدة كانت بحاجة إلى دراسة القرآن. وكان أهل كل إقليم من أقاليم الإسلام يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة فأهل الشام يقرؤون بقراءة أبي بن كعب وأهل الكوفة يقرؤون بقراءة عبد الله بن مسعود وغيرهم يقرأ بقراءة أبي موسى الأشعري.[7]
فكان بينهم اختلاف[8] في حروف الأداء ووجوه القراءة بطريقة فتحت باب الشقاق والنزاع في قراءة القرآن أشبه بما كان بين الصحابة قبل أن يعلموا أن القرآن نزل على سبعة أحرف بل كان هذا الشقاق أشد لبعد عهد هؤلاء بالنبوة وعدم وجود الرسول بينهم يطمئنون إلى حكمه ويصدرون جميعا عن رأيه حتى كفر بعضهم بعضا وكادت تكون فتنة في الأرض وفساد كبير.
لهذه الأسباب والأحداث رأى عثمان بثاقب رأيه وصادق نظره فجمع أعلام الصحابة وذوي البصر منهم وأجال الرأي بينه وبينهم في علاج هذه الفتنة ووضع حد لذلك الاختلاف. وشرع عثمان في تنفيذ هذا القرار الحكيم حول أواخر سنة أربع وعشرين وأوائل سنة خمس وعشرين من الهجرة فعهد في نسخ المصاحف إلى أربعة من خيرة الصحابة وثقات الحفاظ، وهم زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام القرشيين وهؤلاء الثلاثة الأخيرون من قريش.[9]  
وأرسل عثمان إلى أم المؤمنين حفصة بنت عمر فبعثت إليه بالصحف التي عندها وهي الصحف التي جمع القرآن فيها على عهد أبي بكر رضي الله عنه، وأخذت لجنة الأربعة هؤلاء في نسخها وجاء في بعض الروايات كانوا اثني عشر رجلا،[10] فأمرهم أن ينسخوها في المصاحف، وأن يُكتب ما اختلف فيه زيد مع رهط القرشيين الثلاثة بلسان قريش فإنه نزل بلسانهم.[11] وما كانوا يكتبون شيئا إلا بعد أن يعرض على الصحابة ويقروا أن رسول الله قرأ على هذا النحو الذي نجده الآن في المصاحف.[12] وقال أكثر العلماء على أن عثمان كتب المصاحف جعله على أربع نسخ وبعث إلى كل ناحية واحدا الكوفة والبصرة والشام وترك واحدا عنده، وقد قيل إنه جعله سبع نسخ وزاد إلى مكة وإلى اليمن وإلى البحرين، وقال قول الأول أصح وعليه الأئمة.[13]

ترتيب الآيات والسور:
كان القرآن يتضمن سور[14] وآيات[15] منها القصار والطوال[16]. وترتيب الآيات في القرآن الكريم توقيفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكى بعضهم الإجماع على ذلك، منهم الزركشي في "البرهان"،[17] وأبو جعفر بن الزبير[18] في "مناسباته" إذ يقول: "ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه وسلم وأمره من غير خلاف بين المسلمين" وجزم السيوطي بذلك فقال: "الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي[19] لا شبهة في ذلك".
ووقف عثمان في تدوين القرآن عند موضع كل آية من سورتها في القرآن، ولو كانت منسوخة الحكم. لا يغيرها. وهذا يدل على أن كتابتها بهذا الترتيب توقيفية، وعن ابن الزبير قال: "قلت لعثمان: "وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا"،[20] قد نسختها الآية الآخرى، فلم تكتبها.[21]  

اختلف العلماء في ترتيب السور
قد اختلف العلماء في كون ترتيب السور في القرآن، وهنا رأيان وهما :
الرأي الأول فإنه توقيفي، تولاه النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر به جبريل عن أمر ربه، فكان القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرتب السور، كما كان مرتب الآيات على هذا الترتيب الذي لدينا اليوم، وهو ترتيب مصحف عثمان الذي لم يتنازع أحد من الصحابة فيه مما يدل على عدم المخالفة والإجماع عليه.
ويؤيد هذا الرأي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بعض السور مرتبة في صلاته.[22] وقال ابن الحصار: "ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنما كان بالوحي، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ضعوا آية كذا في موضع كذا، وقد حصل اليقين من النقل المتواتر بهذا الترتيب من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومما أجمع الصحابة على وضعه هكذا في المصحف".[23]
والرأي الثاني وقيل أن ترتيب السور باجتهاد من الصحابة بدليل اختلاف مصاحفهم في الترتيب[24].

الرسم العثماني
سبق الحديث عن تدوين القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه وقد اتبع زيد بن ثابت والثلاثة القرشيون معه طريقة خاصة في الكتابة ارتضاها لهم عثمان، ويسمي العلماء هذه الطريقة "بالرسم العثماني للمصحف" نسبة إليه.[25]
كانت المصاحف العثمانية خالية من النقط والشكل، اعتمادًا على السليقة العربية السليمة التي لا تحتاج إلى الشكل بالحركات ولا إلى الإعجام بالنقط، فلما تطرق إلى اللِّسان العربي الفساد بكثرة الاختلاط أَحَسَ أُولُو الأَمْرِ بضرورة تحسين كتابة المصحف بالشكل والنقط وغيرهما مما يساعد على القراءة الصحيحة.
واختلف العلماء في أول جهد بُذِل في ذلك السبيل. فيرى كثير منهم أن أول من فعل ذلك أبو الأسود الدؤلي الذي يُنسب إليه وضع ضوابط للعربية بأمر علي بن أبي طالب، ويُرْوَى في ذلك أنه سمع قارئًا يقرأ قوله تعالى: "أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ"[26]، فقرأها بجَرٍّ.[27]
كان الشكل في الصدر الأول نقطا، فالفتحة نقطة على أول الحرف، والضمة على آخره، والكسرة تحت أوله، وعليه مشى الدانى. والذى اشتهر الآن الضبط بالحركات المأخودة من الحروف، وهو الذى أخرجه الخليل، وهو أكثر وأوضح، وعليه العمل، فالفتحة شكلة مستطيلة فوق الحرف، والكسر كذلك تحته، والضم واو صغرى فوقه والتنوين زيادة مثلها.[28]

 الاختتام
كان دور تدوين القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه ذو أهمية قيمة متينة، وذلك اتسعت الفتوحات الإسلامية في زمنه واستبحر العمران وتفرق المسلمون في الأمصار والأقطار ونبتت ناشئة جديدة كانت بحاجة إلى الجمع والتدوين. وإنما حيث وقتعيذ يقرؤون بقراءة مختلفة وهذا أشد خطرا لمن بعده. لهذه الأسباب والأحداث رأى عثمان في أخذ اللجنة لنسخ المصاحف وأرسلها إلى مكة وإلى اليمن وإلى البحرين، وغير ذلك.
وبهذا الحال يتبين واضحا متينا حيث فقد أخطأ المستشرقون خطأ كبيرا في بعض أرائه عن القرآن بأنه قرآن ناقص وفيه الجانب السياسي أي سياسة عثمان فربما يمكن شيئ منه لم يكتب فيه، وهم يمثلون بالكتاب المقدس أي العهد القديم والعهد الجديد فإنه واضحا ليس من الوحي بل كتابة المؤلف أو الإنسان. والقرآن شيئ آخر من الكتاب المقدس وهو أصلي وصحيح ومصدق ومحفوظ، كما قوله تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.

مصادر البحث   
الزرقاني، محمد عبد العظيم، مناهل العرفان في علوم القرآن، الطبعة الأولى، (لبنان: دار الفكر، 1416هـ- 1996م).    
الزركشي، محمد بن بهادر بن عبد الله أبو عبد الله، البرهان في علوم القرآن، الجزء 1، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، (بيروت : دار المعرفة، 1391)
السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، الإتقان فى علوم القرآن، المجلد الأول، (القاهرة: مكتبة دار التراث، دس).
عبّاس، فضل حسن، إتقان البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، (الأردن : دار النفائس، 2010).  
القطان، مناع بن خليل، مباحث في علوم القرآن، (مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة 1421هـ- 2000م).
الأزدي، علي بن الحسن الهُنائي، المنجد في اللغة والأعلام، تحقيق أحمد مختار عمر وضاحي عبد الباقي، الطبعة الثانية، (القاهرة: عالم الكتب، 1988).
النيسابوري، مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، رقم 3004،  (بيروت: دار إحياء التراث العربي، طون سنة).  




[1]  علي بن الحسن الهُنائي الأزدي، المنجد في اللغة والأعلام، تحقيق دكتور أحمد مختار عمر، دكتور ضاحي عبد الباقي، الطبعة الثانية، (القاهرة: عالم الكتب، 1988 م)، ص 230.
[2]  مناع بن خليل القطان، مباحث في علوم القرآن، (مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة 1421هـ- 2000م)، ص 119.
[3]  فضل حسن عبّاس، إتقان البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، (الأردن : دار النفائس، 2010)،   ص 263.
[4]  مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، رقم 3004،  (بيروت: دار إحياء التراث العربي، طون سنة)، ج 4، ص 2298.                          
[5]  فضل حسن عبّاس، إتقان البرهان في علوم القرآن.....ص 263-264
[6]  نفس المرجع
[7]  محمد عبد العظيم الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، الطبعة: الأولى، (لبنان: دار الفكر، 1416هـ- 1996م)، ص 178.
[8]  في بعض الرواية  فلما كانت غزوة "أرمينية" وغزوة "أذربيجان" من أهل العراق، كان فيمن غزاهما "حذيفة بن اليمان" فرأى اختلافًا كثيرًا في وجوه القراءة، وبعض ذلك مشوب باللحن، مع إلف كل لقراءته، ووقوفه عندها، ومماراته مخالفة لغيره، وتكفير بعضهم الآخر، حينئذ فزع إلى عثمان رضي الله عنه هذا الأمر.
[9]  مناع بن خليل القطان، مباحث في علوم القرآن.....ص 129
[10]  محمد عبد العظيم الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن.......، ص 179.
[11]  نفس المرجع
[12]  نفس المرجع
[13]  محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي أبو عبد الله، البرهان في علوم القرآن، الجزء 1، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، (بيروت : دار المعرفة، 1391)، ص 240.
[14]  السورة: هي الجملة من آيات القرآن ذات المطلع والمقطع.
[15]  الآية: هي الجملة من كلام الله المندرجة في سورة من القرآن.
[16]  فالطوال: سبع: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والسابعة، قيل: هي الأنفال وبراءة معًا لعدم الفصل بينهما بالبسملة. وقيل: هي يونس.
[17]  محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي أبو عبد الله، البرهان في علوم القرآن......  ص 241.
[18]  هو أحمد بن إبراهيم بن الزبير الأندلسي، كان من النحاة الحفَّاظ، توفي سنة 807 هجرية.
[19]  فقد كان جبريل يتنزل بالآيات على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويرشده إلى موضعها من السورة أو الآيات التي نزلت قبل، فيأمر الرسول كتبة الوحي بكتابتها في موضعها ويقول لهم: ضعوا هذه الآيات في السورة التي يُذكر فيها كذا أو كذا، أو ضعوا آية كذا في موضع كذا.
[20]  سورة البقرة: 240.
[21]  مناع بن خليل القطان، مباحث في علوم القرآن....ص 140
[22]  رَوَى ابن أبي شيبة: أنه عليه الصلاة والسلام كان يجمع المفصَّل في ركعة، ورَوَى البخاري عن ابن مسعود أنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: "إنهن من العتاق الأُوَل، وهن من تِلادى" فذكرها نسقًا كما استقر ترتيبها.
[23]  جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، الإتقان فى علوم القرآن، المجلد الأول، (القاهرة: مكتبة دار التراث، دس)، ص 62.
[24]   مناع بن خليل القطان، مباحث في علوم القرآن.....ص 142.
[25]   المرجع السابق، ص 146.                          
[26]  التوبة: 3                                         
[27]  مناع بن خليل القطان، مباحث في علوم القرآن.....ص 150.
[28]  جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، الإتقان فى علوم القرآن..... ص 162.

Share on Google Plus

About Zaenal Muhtadin

Adalah Sebuah keputusan This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment